تتكئ الكاتبة الروائية العمانية الدكتورة عزيزة بنت عبد الله الطائي ÙÙŠ Ø£Øدث أعمالها الروائية “أصابع مريم” الصادرة عن دار الÙراشة للنشر والتوزيع بدولة الكويت، مستندة على بناء زمكاني يتخذ من سلطنة عمان مسرØًا لأØداث الرواية ومن السبعينيات ÙˆØتى الآن سياقًا زمنيًا، ومن الأنثى العربية بطلًا ومØركًا لكل الأØداث، عبر Øشد لأصوات النساء المقهورات والمعذبات والØالمات والراÙضات والمتØررات والعاشقات والمتمردات والصامتات اللاتي اØتبسن بأصواتهن المتعددة ÙÙŠ شخصية الأم “مريم ” وتجلياتها ÙÙŠ بناتها الأربع، أصابعها التي لا تشبه Ø¥Øداها الأخرى رغم أنهن ينتمين للك٠نÙسها!
تدور الرواية Øول الØياة الاجتماعية ÙÙŠ المجتمع العماني بتعقيداتها وتشابكاتها وخطوطها الØمراء، من خلال الزوج Øمد الراÙض لعادات مجتمعه متأثرًا بØياته ومقامه ÙÙŠ روسيا، والزوجة مريم المتمسكة بعادات وتقاليد مجتمعها، وبين تناقضات الشخصيتين، كشÙت الرواية عن Ùجوات المجتمع Ùكريًّا ودينيًا وطائÙيًّا وقبليًّا، كما كشÙت عن التناقضات الØادة بين شعارات يرÙعها الرجل ÙÙŠ المجتمع، وممارسات على النقيض تمامًا من تلك الشعارات.
وهكذا بنت الكاتبة شخصيات روايتها خاصة البطلة الأم مريم، التي تعاني من Ø£Ùكار زوجها المضطرب المزاج المتØرر ÙÙŠ Ùكره، وتأثيراته على بناته الأربع اللاتي يتØلقن Øوله مشدوهات بأØاديثه ÙˆØكاياته الآسرة عن الإنس والجن والموسيقى والخيال والØياة والØب والØرية، وتلك الأÙكار التي تأثرت بها معظم البنات الأربع “ÙˆÙاء” Ùˆ”إيمان” Ùˆ”نوال” Ùˆ”ابتسام”ØŒ والتي كانت دائمًا سببًا لخلاÙات عمقت وتجذرت عبر الزمن بين الزوجة وزوجها؛ إذ ظلت البنات معجبات متأثرات بأÙكار الأب التØررية، Øائرات مترددات راضخات ومتمردات ÙÙŠ Ø£Øيان كثيرة على Ø£Ùكار الأم مريم، التي باتت هي أيضا ظلًّا لصورتها الØقيقية، امرأة على مشار٠الخمسين شائخة مستسلمة للأقدار بعد أن كانت شامخة متمردة ذات رأي وقرار ÙÙŠ صباها، خبت وصارت ظلًا تطارده عذابات وويلات الØياة والقهر الذي تعرضت له كل النسوة اللاتي صادÙنها بØياتها ابتداءً من عمتها عائشة وخالتها هند، ومرورًا ببناتها الأربع ومعاركهن وخيباتهن جميًعا ÙÙŠ رØلة الØياة.
وبرغم أن الØب بدا موضوعًا مسيطرًا ومØركًا لأØداث الرواية، عالجت الكاتبة بمشرط Ø¬Ø±Ø§Ø Ù…Ø§Ù‡Ø± قضايا شائكة ÙÙŠ المجتمع الخليجي، تتعلق بالمذهبية العرقية الطائÙية، والانتماء القبلي، وتعقيدات الزواج وعلاقة الرجل بالمرأة من خلال نماذج لقصص Øب مشوهة ومبتورة، كما تطرقت Ù„Øقوق المرأة وشعارات المساواة بالرجل ÙÙŠ مجتمعات ذكورية تماما، إذ يقول الزوج Øمد الراÙض لتقاليد مجتمعه ÙÙŠ Øديث نقدي معتاد لزوجته مريم:
ــ لم نعد نتمنى العدل ÙÙŠ أوطاننا، Ùقط نطلب توزيع الظلم بطريقة عادلة.
هكذا تشّكلت الأسرة بين Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø£Ø¨ المنكسرة ÙˆØ±ÙˆØ Ø§Ù„Ø£Ù… المهادنة، بين رؤية الأب المتمردة والمنÙتØØ© وغير القادرة على التأقلم مع Ø£Ùكار المØيطين بهم ومعتقداتهم، وإصرار الأم على تبني تقاليد المجتمع عند خوض معترك الØياة. وكان شغ٠كل من Øمد ومريم أن تنال بناتهما كل ما يميز الÙتيات ليعشن بطمأنينة وسلام.
تعتمد رواية “أصابع مريم” ÙÙŠ نسيجها الداخلي على عدد من تجارب الØب الÙاشلة أو المرÙوضة مجتمعيًّا، مغلÙØ© بثقاÙØ© موسوعية للكاتبة التي صدرت الÙصول الخمسة لروايتها بمقولات واقتباسات وأشعار أضاءت الأنساق السردية، ومنØت القصص العديدة داخل القصة الأصلية نكهة خاصة عنوانها الأكبر “البØØ« عن الØب المÙقود” الذي يشبه لؤلؤة المستØيل الÙريدة، ذلك الØب الذي اكتوت بناره مريم Ù†Ùسها مع زميل العمل هلال بعد ÙˆÙاة زوجها Øمد الذي Øرمها لذة الØب والØياة والØرية، كما اكتوت بنيرانه بناتها الأربع كل٠بطرق مختلÙØ©ØŒ ” Ùأصابع يدك ليست مثل بعضها”!
ترÙض الأم Øب ابنتها ابتسام أو زواجها من Øسين، وهنا تØدثها الابنة بلغة كاشÙØ©ØŒ متأثرة بأÙكار والدها المنÙØªØ ÙˆØ§Ù„Ù…ØªÙØªØ Ø§Ù„Ù…ØªØرر غريب الأطوار: أنا الآن ÙˆØدي. أنا بØÙ‚ سجينة كبقية السجناء دون Øسين. يا أمي، يا امرأة مشدودة بالقشور، يا متعلقة بالظاهر، Ùلتعلمي أن الجوهر أصل الØياة، ولب استمرارها، اÙرشي لي Øضنك الذي طالما Øملني إلى وطني، دثريني بأنÙاس أبي؛ Øتى أرى وطني مسيجا بالإنصا٠والسلام والØرية.
نموذج آخر لقصة Øب مبتورة طوال غياب الØرية والØب والØرية صنوان، Ùها هي الابنة ÙˆÙاء التي Ø£Øبت “جلال أمين البلوشي” ورÙض هذا الØب الأهل والجيران، لتبدأ الكاتبة التنويع بين صوت الراوي والمونولوج الداخلي العميق على لسان ÙˆÙاء التي تØاكم العالم، وترÙض منطق الأم ونظرة الجيران وسطوة الخال والأهل عامة Ùتقول:
“Ø¥ نكم أهلي.. Ø¥ نكم ظالمون.. Ø¥ نكم سارقو Øلمي، ها أنا ذي ÙÙŠ ركن من أركان الكون منبوذة.. Ø£ØµÙŠØ Ø¨Ø¶Ø¬Ø±ØŒ أصرخ بوجع.. Ùعلى من أعلن الØرب!!! إنها اللØظات التي تسرق أعمارنا من بين أيدينا. كم من علاقة تموت بيننا ونØÙ† Ø£Øياء! وكم من Ø£Øياء يرØلون، وتبقى علاقاتهم على قيد الØياة؟”.
وتقترب الرواية بعدسة مكبرة كاشÙØ© قد تداوي ولا تداري Ø¢Ùات المجتمع وعاداته التي أجبرت بنات مريم على العيش ÙÙŠ “ظلال الØب” لا الØب Ù†Ùسه، هو كشجرة Ù…Øرمة ليس مسموØًا لهن بالاقتراب منها؛ إذ “أدركت ÙˆÙاء بعد مدة قصيرة.. أن Ø£Øلام العشاق كالÙقراء لا مكان لها ÙÙŠ هذا الكون، وأن Øبهما، ذاك الØب الذي لم يتقبله الأهل والجيران، ولم يستوعبه الأØباب والأصØاب”.
بين غÙربة الشرق وثقاÙØ© الغرب، نسجت الروائية رØلة معاناة الابنة نوال  من أجل الØب والØرية، نوال التي تمردت على المجتمع وعلى والدتها Ùهاجرت إلى كندا لتتزوج بمعلمها وائل الذي Ø£Øبته، وبعد سنوات من الØب والزواج تÙشل زيجة نوال من وائل وتØب غيره، سالمًا المتزوج وتقبل أن ØªØµØ¨Ø Ø²ÙˆØ¬Ø© ثانية، ويثمر الØب والزواج الابنة “أمل” التي تموت ÙÙŠ Øادث سير عند سن الخامسة، وتØت وطأة عدم قدرة سالم ØŒ على تØقيق التوازن المطلوب بين بيته وزوجته الأولى وأولاده الثلاثة، وزوجته الثانية نوال، تضطر الأخيرة للانÙصال وتÙر عائدة لمسقط تجر خيباتها، وخروجها جريØØ© بعد تجربتي زواج تØدت Ùيهما المجتمع بأسره، وهنا تصب جام غضبها على مجتمعها قائلة: ” ÙÙŠ الواقع لمست منذ صباي أننا شعب يعاني من عجز عاطÙÙŠ لأسباب تاريخية معقدة، ولا أدري كي٠اكتشÙت هذا رغم صغر سني، وتوصلت لقناعة أبي أن الكلمة والعاطÙØ© ÙˆØدهما بإمكانهما ترميم المجتمع، وبناء الإنسان من جديد”!
يظل الØب والعاطÙØ© المÙقودة والØرية الذبيØØ© على عتبات الشعارات الزائÙØ©ØŒ Ù…Øركًا لأØداث الرواية، إلا أن الكاتبة تبرع ÙÙŠ بقر Ø£Øشاء المجتمع وتعرية تناقضاته، كلما عالجت موضوع البØØ« عن العاطÙØ© المÙقودة، Ùها هي الابنة إيمان التي Ø£Øبت Ù…Øمودًا خمس سنوات لكن أمه أقنعته بالزواج من ابنة خاله ورضخ لها الابن، لتتزوج إيمان برجل لا تØبه ولا تعرÙه، وهي نادمة تØكي لأختها ابتسام عن خيباتها مع زوجها هاشم، Ùتقول:
“هل تدركين Øجم البؤس العاطÙÙŠ الذي عشته؟ هل تدركين مدخنة الخذلان التي وقعت Ùيه؟ ÙØين نهزم ÙÙŠ زواجنا تنهزم Ø£Ùكارنا ومعها مبادؤنا وأØلامنا؟ هل صدقنا أن الرجل المتعلم متØرر ÙÙŠ بلادنا؟ إني أرى المتعلم مشØونًا بالتناقضات، متلبسا بالانÙصامات الشخصية والنÙسية والÙكرية.. يريد الØرية له ولا يريدها لشريكته، يبØØ« عن Ùضاءات تØمل ÙÙŠ داخلها عصورا مضت. لقد Øصدت الأنثى ÙÙŠ مجتمعنا كل خيبات الرجال، وقرÙهم، ونÙاقهم، وجبروتهم، وتناقضاتهم”.
تؤكد رواية “أصابع مريم ” أن كل نساء الرواية عرÙÙ† الØب لكن عشنا ÙÙŠ ظلاله بعد وأده بزواج على غير الرغبة تØت وطأة المذهب والطائÙية والقبيلة، وتعاود الكاتبة المونولوج الداخلي على لسان شخصيات الرواية ÙتتØدث ÙˆÙاء لنÙسها Øينًا ولأختها عن ظلم وقع عليها بزيجة لا رأي لها Ùيها وزوج لا تØبه Ùتقول: “لم أستوعب كل ما Øدث؛ منذ أْن ألبسوني قناعاتهم، ÙˆØاصروني بأÙكارهم ÙÙŠ أول صدمة لي، ومنذ خروجي من المنزل تØت عباءة أمي بعد أن أغلقوا نواÙØ° قلبي.”
Ø£Ùضت Øكايات الخالة هند المنتØرة والأم مريم المهزومة أمام زوجها Øمد، وقصص الØب المشوهة الناقصة والزيجات الÙاشلة لبنات مريم إلى رسم لوØØ© الأنثى الضØية باقتدار، ضØية المجتمع الذكوري طوال الوقت، وضØية العادات والتقاليد والتعقيدات العرÙية ÙÙŠ مواضع كثيرة، وضØية الذات التي شعرت بالذنب، كما هو Øال مريم التي ظلمت Ù†Ùسها مع Øمد باستمرار زيجة لا مشتركات Ùيها سوى بنات ÙŠØملن اسم والدهن، وذنب قهر الرغبة ÙÙŠ العيش مجددًا مع من Ø£Øبها وأØبته “هلال” زميل العمل، ويستمر طوÙان القهر تمارسه مريم مع بناتها، الواØدة تلو الأخرى، ÙˆØتى المرة الوØيدة التي عدلت Ùيها عن رأيها ورضيت بتزويج ابنتها الصغرى ابتسام بزميلها Øسين، المتزوج، كان ذلك بعد Ùوات الأوان بسبع سنوات من الرÙض، وربما تÙرض هذه النماذج مجتمعة السؤال وسط هذا الصخب السردي لمعزوÙØ© الÙشل ÙÙŠ الØياة، ألا يوجد نموذج واØد إيجابي تنتصر Ùيه الأنثى Ù„Øبها ÙˆØريتها ÙÙŠ معركة الØياة؟!
من جماليات الرواية اعتناء الكاتبة بالتÙاصيل ÙÙŠ بناء الأØداث والشخصيات، ابتداءً من العناية الÙائقة ÙÙŠ اختيار أسماء الشخصيات، وكل اسم له دلالته ومرورًا بالتشبيهات والصور البليغة للØب  الذي شبهته بالإنسان الذي لا يولد مرتين، والØرية والعدالة والقيود، وإذ تخاطب مريم Ù†Ùسها Ùتقول: “ارقص كما لو أن لا Ø£Øًدا يراك ÙالØياة Øلبة من الرقص”ØŒ وصولًا لقمة الواقعية بعد تبدل مواقÙها من النقيض للنقيض Ùيما يخص مواÙقتها على زواج ابنتها الصغرى ابتسام من Øسين الذي رÙضته الأم Ùتزوج وأنجب، وبعد سبع سنوات ترØب الأم بتزويجه ابنتها الصغرى زوجة ثانية، لتختم الرواية بعبارات Ùيها من الإيجابية والأمل دلالات كثيرة لغد Ø£Ùضل على لسان ابتسام التي قد تبتسم لها الØياة ولو بعد Øين إذ تخاطب Øسين قائلة:
لن يكون عمرك كله ربيعًا.. ستتناوب عليك الÙصول الأربعة.. ستلÙØÙƒ الخيبات..
تتجمد ÙÙŠ صقيع الوØدة.. تتساقط Ø£Øلامك اليابسة
ثم تزهر أيامك
هكذا هي الØياة.